الرئيسية » الأخبار » دفاعا عن الشرعية (3) / محمدٌ ولد إشدو

دفاعا عن الشرعية (3) / محمدٌ ولد إشدو

ثانيا: حول عمل “لجنة التحقيق البرلمانية” (ب) * ممارسة الابتزاز والتلفيق. لقد عملت لجنة “التحقيق البرلمانية” في تمالؤ حميم مع بعض أجهزة الدولة والمعارضة (من مخابرات وإعلام) ومع واجهات قبلية وجهوية من الأعماق، دأبت على مناوأة روح الدولة الوطنية؛ وذلك من أجل تلفيق وتسريب ونشر شائعات وأخبار كاذبة ومضللة، ونسبتها إلى مصادر موثوقة في اللجنة. كما عملت مع نفس الشركاء وبهم على تلفيق التهم الباطلة ضد من لا سلطان لها عليهم. ومن أمثلة ذلك:

أ. ترويج شائعات ما أنزل الله بها من سلطان عن اعترافات رؤساء الحكومات السابقين والوزراء المستجوبين على الرئيس، وامتلاك بعضهم عشرات التسجيلات الصوتية المتعلقة بأوامر مباشرة مخالفة للقانون كان قد أصدرها إليهم.

ب. ذكر أسماء عشرات من المؤسسات والمشاريع والمرافق العمومية، وادعاء وجود فساد كبير وهمي فيها؛ بغية تسميم وتضليل الرأي العام. في حين أن تلك المؤسسات والمشاريع إما أن اتفاقيات إنشائها مصادق عليها من طرف البرلمان نفسه كشركة هوندونغ الصينية مثلا، وإما أنها قد اتُّخِذ فيها جميع الاحتياطات وتمت بالطرق القانونية من طرف السلطات المختصة وظاهرة الرشاد كرصيف الحاويات في ميناء الصداقة ومطار انواكشوط وبيع عقارات الدولة. ثم إنها لا سلطان عليها للجنة التحقيق البرلمانية ولا للبرلمان أصلا.

ج. نشر صور مفبركة كاذبة عن أموال هائلة من العملة الصعبة والأوقية وقصور عالمية فخمة ومئات السيارات، وادعاء ملكية الرئيس السابق لها ووقوف اللجنة عليها!

د. فضيحة جزيرة تيدرة. ومحاولات تزوير الأدلة فيها، وتضليل البرلمان وانتزاع قرار جديد منه بالباطل يقضي بأن يشمل التحقيق منح تلك الجزيرة دون أي أساس!

* الغلو والشطط والافتيات على القانون، ومن مظاهرها الفاحشة استهداف الرئيس السابق وتوجيه استدعاء له للمثول أمام تلك اللجنة، وادعاؤها الحق باطلا في الاستماع إليه، وتهديد بعض أعضائها باستجلابه بالقوة، ووضع لائحة طويلة من الأسئلة الموجهة إليه من طرفها دون حق شرعي، وتسريب تلك الأسئلة، لتأجيج حملة التشويه والإضرار التي يقودها ضده القابضون على اللجنة والعاملون تحت واجهتها في الظلام.

* ضياع الجهد والمال فيما لا طائل من ورائه سوى الضرر. يقول النقيب في شهادته: “إن اللجنة عملت طيلة 6 أشهر ليلا ونهارا، واستعانت بالخبرات الوطنية والدولية، وتعاقدت مع مكاتب معروفة، وجندت قضاة محكمة الحسابات”. وقد كلف ذلك الخزينة العامة أعباء مالية كبيرة يجب الإعلان عنها خدمة للشفافية؛ ناهيك عن ضياع الوقت والجهد. وهذه الأعباء فضولية وفساد، ولا طائل من ورائها، لأنها صرفت في عمل غير مشروع، وباطل لا تتوخى من ورائه نتيجة لجميع الأسباب القانونية التي أثرنا؛ بل إنها – أكثر من ذلك- صرفت في تدبير مكر سياسي مدمر تكاد تزول منه الجبال! ورغم ذلك كله، فإن تقريرها – في أحسن الأحوال- لا يؤخذ إلا على سبيل الاستئناس فقط؛ باعتراف كل من النيابة والسيد النقيب!

3. تقرير اللجنة وإحالته إلى الحكومة وإلى القضاء.

وهنا أيضا نبدأ برأي عميدنا ونقيبنا، منسق لفيف دفاع الطرف المدني المنتظر في الموضوع. ومضمونه أن اللجنة قد أعدت تقريرا لا مثيل له، فيقول: “فإذا بهذه اللجنة تغربل هذه المسائل وتتقدم بتقرير، أنا أعتبر شخصيا أن هذا التقرير كان من مستوى عال؛ خاصة بالنظر إلى ما يجري في العالم. لنرى ما يجري في العالم الإفريقي، في العالم العربي، أي تقرير من هذا المستوى تم إعداده حول تسيير مرحلة معينة، تم الاستماع فيها إلى رؤساء وزراء سابقين، إلى وزراء، إلى مدراء، إلى وإلى.. وحتى اللجنة البرلمانية طلبت من الرئيس السابق أن تستمع له، ولكنه هو الذي رفض”. هذا عن رأيه في التقرير. أما رأيه في الإحالة فهو: أن “القانون ينص على وجوب إحالة تقارير اللجان البرلمانية التي تكتشف اختلالات أو جنحا أو جرائم تحيل المسألة إلى القضاء”.

ولنا على هذا الرأي الملاحظات التالية:

– أن النقيب كان على حق في مسألتين جوهريتين ذكرهما في مقابلاته؛ ألا وهما أن لجنة التحقيق البرلمانية لم يسبق لها مثيل في موريتانيا، وأن هذا التقرير لا مثيل له في العالم الإفريقي ولا في العالم العربي. ولكن هل يعتبر هذا مناط فخر وعزة، أم دليل ذلة وهوان وضياع وفوضى؟ من المؤكد أن جميع الأنظمة التي تعاقبت في موريتانيا منذ الاستقلال إلى سنة 2019 لم يتجرأ نظام منها على انتهاك ودوس الشرعية الدستورية، ولم يقل أي منها بأن النظام الداخلي للجمعية الوطنية بمثابة قانون نظامي أو مكمل للدستور. وبالتالي لم يقم نظام واحد منها بتشكيل “لجنة تحقيق برلمانية” لأن ذلك بكل بساطة يشكل انتهاكا سافرا للدستور! ونفس الشيء يصدق على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. إذ لا وجود في إفريقيا والعالم العربي لبلد غيرنا يُقْدِم طواعية – ومزهوا أيضا- على تدمير نظامه السياسي واقتصاده واستقراره وأمنه ووحدته الوطنية وسمعته مجانا/ ويمرغ بُناة وأطر دولته في التراب دون حق شرعي أو أساس قانوني.

– أما فيما يتعلق بجودة التقرير وكونه “من مستوى عال”. فمن الغريب أن يقول ذلك رجل قانون! وذلك لسببين:

أولهما بطلانه وفضوله المستمد من بطلان وفضول اللجنة التي أعدته، والنعت تابع للمنعوت، وهل يلد الشهاب إلا الجمرة.

والثاني كونه أوهى من نسج العنكبوت. ولكيلا نذكر شيئا من عندنا، فسوف نقتصر في الأمر على رأي خصمنا وحليف الطرف المدني المنتظر، النيابة التي قالت في رسالة إلى المدعي العام تتحدث عن خطتها للبحث: “من خلال اطلاع أولي سريع على الملف، سجلنا بعض الملاحظات عليه،

* ففي بعض الجوانب كانت المعلومات ناقصة جدا، واعتمد جزء من التحليل المقدم على وثائق جزئية، وصحتها مفترضة فقط!

* ولم يتنبه المحررون إلى أن قانون مكافحة الفساد مثلا لا ينطبق إلا على الوقائع التي تلت دخوله حيز التنفيذ في 2016، ولا يعني ذلك وجود فراغ قانوني؛ لوجود قوانين جزائية أخرى، مثل قانون العقوبات، لكن بميزات أقل.

* مع إمكانية شمول التقادم لبعض الحالات!

* أن النسخة العربية مترجمة ترجمة غير جيدة، وبعض فقراتها يصعب فهمها بسبب أخطاء في الصياغة.

* إعطاء الوصف الجنائي للوقائع، وتحديد المسؤوليات من اختصاص القضاء، وسيكون الرجوع إلى تقرير اللجنة بهذا الخصوص على وجه الاستئناس فقط.

* ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أهم نتيجة ترجى من فتح ملفات الفساد هو استرجاع الدولة لأكبر قدر ممكن من الأموال العمومية المنهوبة، والتركيز على هذا الجانب قد يخفف بعض ضغط الرأي العام المتابع”.

سيدي النقيب؛ إذا كانت هذه ملاحظات حليفكم (النيابة) من خلال اطلاع أولي سريع على ذلك التقرير، فما ذا ستكون – في رأيكم- ملاحظاتنا نحن؟ وكيف تثمنون ذلك التقرير بأنه كان “من مستوى عال” وهو يحتوي على هذه النواقص القاتلة؟ وأين روح النقد والاستقلال والحياد والتحفظ والموضوعية التي يجب أن يتحلى بها المحامي ورجل القانون؟ وكيف تفسرون كون جميع الخبراء والخبرات وقضاة محكمة الحسابات والمحامين الذين استعانت بهم اللجنة لم يقل لها أحد منهم إنها وما تقوم به انتهاك للقانون وخروج على الشرعية الدستورية، وأن لاّ أحد منهم له دراية بعدم رجعية القانون، أو بالتقادم،أو بأن “الوثائق” الظنية الصحة لا تغني من الحق شيئا، أو باللغة العربية، أو بأن التكييف من اختصاص القضاء ولا يمارسه السياسيون ولا الشرطة السياسية؟ أيجهلون ذلك كله؛ وبالتالي فإن خبرتهم متواضعة جدا، أم علموه ويكتمونه ابتغاء مرضاة مشغليهم، ووسعكم ما وسعهم؟ فدل عليهم قول القائل:

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة ** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!

– أما كون “القانون ينص على وجوب إحالة تقارير اللجان البرلمانية التي تكتشف اختلالات أو جنح أو جرائم تحيل المسألة إلى القضاء”. فنحن نقول لكم ونعلنها على رؤوس الأشهاد: إن القانون الذي تتحدثون عنه لم يصدر قط في موريتانيا. وكان عليكم أن تقدموا للمشاهد الكريم اسم هذا القانون وتاريخ صدوره ومادته التي تنص على ذلك.

   وأخيرا، وفي إطار عمل “لجنة التحقيق البرلمانية” وتقريرها، وإحالته إلى القضاء، وكون “النظام الداخلي للجمعية الوطنية بمثابة قانون نظامي، ومكملا للدستور” فلماذا تظلمون أركان نظامكم وأطر دولتكم ووزراءكم الواردة أسماؤهم في التقرير المشؤوم، ولا تطبقون في حقهم المادة 136 من ذلك النظام الداخلي “المكمل للدستور” والتي تنص حرفيا على ما يلي:

“1. للجمعية الوطنية أن توجه اتهاما للوزير الأول و/ أو لأعضاء الحكومة أمام محكمة العدل السامية طبقا لأحكام المادتين 92  (جديدة) و93 (جديدة) من الباب الثامن من الدستور.

2. لا يعتبر قرار المتابعة، وكذا الاتهام، نافذا إلا بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من الأعضاء المشكلين للجمعية الوطنية في اقتراع علني. وفي هذه الحالة، يقدم الوزير الأول أو عضو أو أعضاء الحكومة المتهمون استقالتهم”.

   لما ذا تخربون بيوتهم، وتدنسون سمعتهم، وتلقونهم في الشارع مع مواساة لفظية بأن من برئ منهم سيعاد له الاعتبار؛ في حين أنهم لم يتهموا أصلا، ولا هم يحزنون؟ بل كل ما في الأمر أن أسماءهم وردت شططا وظلما وبغيا في تقرير باطل صادر عن لجنة فضولية غير قانونية. ثم إن إجراءات الاتهام المنصوصة في الدستور (المادتان 92 و93) وتلك المنصوصة في المادة 136 من النظام الداخلي العتيد “المكمل للدستور” حسب قول النقيب، لم تطبق عليهم؛ وظلموا ظلما شنيعا، ربما لأنهم وهم من أفضل كفاءات شباب الوطن وسدنته، كان عليهم أن يتركوا مقاعدهم لآخرين طال انتظارهم في طابور اقتسام الكعكة الوطنية!   

   ثالثا: في متابعة رئيس الجمهورية السابق والمادة 93 من الدستور

يتبع

شاهد أيضاً

فتوى حول تبرعات القبائل لأهلنا في غزة / محمد الأمين الفاضل

مرة أخرى أجدني مضطرا للاستعانة بقصة تروى عن الإمام أبي حنيفة وتلميذه المتميز أبي يوسف، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *