الرئيسية » الأخبار » في البدء لم يكن سوى الحلم…بقلم المخرج والممثل المسرحي محمد عزيز

في البدء لم يكن سوى الحلم…بقلم المخرج والممثل المسرحي محمد عزيز

حلم عنيد نبت في أرض مقاطعة دار النعيم القاحلة إلا من إرادة شبابها،مع بزوغ فجر ألفية كنا نظنها مختلفة.
في عام 2002 تجمع شتات هذا الحلم في رحم “نادي الإحياء للفنون” بقيادة الأستاذ دياهي ولد اگليب؛للامانة لم نكن وحدنا كانت هناك جذوات أخرى تشتعل في “نادي المعرفة” و”الموكب الثقافي”.
كان المسرح هو قضيتنا وكان التنافس شريفا لتصحيح مسار كان قد اعوجّ.
صحيح أن متخصصين درسوا هذا الفن، لكنهم آثروا السلامة واختاروا أعمالاً أخرى توفر العيش، تاركين المسرح يتيماً.
لقد أدركوا مبكرا ما اكتشفناه لاحقا أن المسرح لا يطعم خبزا في هذه الأرض،لكننا بشغفنا وارادتنا قررنا أن نطعم المسرح من لحمنا الحي؛ كنا نقتطع من جيوبنا الخاصة ونعجن عرقنا بوقود الشغف، لنقدم أعمالا هي في جوهرها صرخاتنا.
قدمنا (الاعتراف الأخير) لنستنطق أوجاع من يعيشون تحت خط الصفر جوعا وتهميشا ومرضا،
وصرخنا في (القارعة) ضد إقصاء الشباب وغياب الشفافية.
ووقفنا في (رقصة المولد) كاشفين عورة الدكتاتورية والانقلابات التي أخرت ميلاد وطننا الحقيقي.
كانت دار النعيم يومها عاصمة الثقافة، تحصد كل الجوائز.
كانت عروضنا (ايوب، وثلاث قمصان وبلهاء…)، التي خطها سلي عبد الفتاح برؤيته ونسجها محمد عزيز بضوئه وتجسدت بأداء شيخنا معطلل، محجوبة ،كرامة ، آمي وتمرا وآخرين.. كانت هذه العروض تُقدم في الفضاءات المفتوحة، لأن القاعات كانت حلما آخر مؤجلا.
ثم جاءت اللحظة الفارقة؛ أمام كبار المجال من محمد أدوم إلى أحمدو محفوظ، سلمت إلينا (راية المسرح).
نعم تسلمناها…نحن (علي بلخير، شيخنا، سلي، وعزيز)، من الرعيل الذي سبقنا.
ويا لثقل الأمانة!
منذ تلك اللحظة، تطور العطاء وأصبح التزاما.
صار لليوم العالمي للمسرح في 27 مارس، موعدا لا يخلف على خشبة دار الشباب القديمة. لفتنا انتباه الكبار فجاءنا نص “منتهاه” هدية من الشيخ لحبيب، حاملا عبق القضية الفلسطينية.
بدأت الرحلة تتسع من دار النعيم، إلى باقي ضواحي نواكشوط، ومنها عبرت مسرحية (ثلاثة قمصان) إلى المنستير بتونس.
كنا نكتب بالفصحى لنخاطب العالم.
وحين كرم الدكتور أحمد حبيبِ في گلميم، كنا نحن ضيوف الشرف.
تأسس الاتحاد ووقعت الاتفاقية مع الهيئة العربية للمسرح، وجاء الدعم السخي من الشيخ القاسمي.
بدأت الدورات ووُلد “المسرح المدرسي”. وهنا، بدأت مرحلة أخرى.
حين اختفى الدعم، اختفت معه وجوه كانت تدعي أنها ترسم الطريق؛تساقطوا كما يتساقط الذباب، تاركين المشروع يواجه مصيره، يراقبون من بعيد، متأكدين من موته.
لكن الرياح جرت بما لا يشتهون.
اجتمعنا نحن، من آمنوا حقا، وأطلقنا “طبعة التحدي”؛واجهنا الوزارة ودخل خريجو المسرح المدرسي أنفسهم (عيشة، عالي، سعدنا، إبراهيم، ناجي ،كريمة ،مصطفى ، وان سليمان، حليمه ومي ..) كـ “مؤطرين”. لقد راهن البعض على موتنا، فزرعنا من رمادنا حياة جديدة.
غير أن التحدي الأكبر لم يكن في غياب الدعم، بل في الخيانة التي جاءت من الداخل؛ الطعنة التي تلقيناها في -ليالي المسرح الصحراوي كانت أقسى من كل تهميش.
أن يستبدل اسم جمعيتنا بمركز آخر، وأن ينسب نص محمد أدوم لغيره، وأن تضاف عائلة الرئيس إلى الوفد… ثم في ذروة المأساة أن ترمى جوازات سفرنا في وجوهنا في المطار بألفاظ لا تليق.. كان ذلك هو الكسر الحقيقي.
اجتمعت الجمعية العامة، بعماداتها (أحمد حبيبي، باب ميني، بونه ميده…)، وتم عزل الخائن.
واصلنا الطريق بجراحنا.
قاد سالم دندو الطبعة السابعة من المسرح المدرسي، وسلاك الثامنة؛نزلنا بالمسرح إلى ساحات المدارس. ثم ولد “المسرح الوطني”، لكن هذه المرة ولد بعيدا عنا، بين الوزارة والهيئة، لتبدأ لعبة “الحقد والحقارة”؛ لعبة الإقصاء من الجوائز.
إنها أمراض القلوب يا سادة.
قدمنا “حبل غسيل”،”برلمان” ،”دبيب القاع” ،”فتيان لفريگ”،”منت البار”و”أولاد العالية”. طفنا بالإمارات وتونس وقدمنا “ديلول حكيم الصحراء” . وحين أنتجنا “ديبه” بالشراكة مع المعهد الوطني وحملناها إلى بجاية (الجزائر)، اكتشفنا أن رسالتنا وصلت، حتى لمن لا يفهم لساننا.
هنا أدركنا أن الفن لغة كونية لا تحتاج لمترجم.
في الجزائر اضطر المخرج أن يتولى الإضاءة والصوت بنفسه، لأننا لم نملك ترف التخصص الفني.والى الرباط حملنا “ديبه” للمختار السالم.
نحن شباب هذا “المنكب المنسي” من العالم، كنا نرفع علم موريتانيا في كل محفل، بينما كنا أيتاما في وطننا.
ها هي أعمال أخرى تنتظر أن ترى النور: “أشقاء الثريا” لمحمد أدوم و”گارا” للحبيب الشيخ.
وفي الأفق حلم “مهرجان الهواة” يراودنا مطلع العام 2026.
لكن السؤال يبقى كالجرح المفتوح.
اكتشفنا أن الهواة قبلنا في الثمانينيات، بقيادة “أب المسرح” محمد لمين ولد عداهي، أسسوا اتحادا وكتبوا مشروعا للمسرح الوطني والجهوي؛ كانت لديهم الإرادة رغم غياب كل شيء.
فلماذا نبدأ من الصفر، ما دام هناك أساس؟ لماذا هذا الانقطاع بين الأجيال؟ لماذا لا يهدي السلف الخلف للطريق، بدلا من الاتكالية والانتهازية؟
لماذا لم يعلمنا المسرح وهو أبو العمل الجماعي، كيف نحب بعضنا؟ لماذا هذا التناحر، هذا التكبر، وهذه النرجسية المقيتة؟ لماذا يرى أحدهم نفسه أكبر من أن يتعلم، أو أن يعمل تحت قيادة من هو أصغر منه سناً وأكثر تجربة؟
العيب ليس في أن نعمل بجهد واحد.
العيب أن لا نقدم شيئا وننتقد بضراوة كل من يحاول.
للأسف، المرض يتفشى بيننا.
لقد وصلنا إلى ما يمكن تسميته بصدق “مرحلة العفن”.
للأسف، المرض يتفشى بيننا.
إنها مرحلة العفن أو التعفن.

بقلم المخرج والممثل المسرحي محمد عزيز

شاهد أيضاً

الوزير الأول يأمر بتنفيذ توصيات تقرير محكمة الحسابات واقتراح العقوبات المناسبة

ترأس الوزير الأول المختار ولد اجاي، أمس الثلاثاء، بقاعة الاجتماعات بالوزارة الأولى، اجتماعا مخصصا لتنفيذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *